تشير الدروس التي ألقاها حسين الحوثي إلى أن حركته تهدف إلى استعادة
ما يَرى أنه حق أهل البيت في ولاية أمر المسلمين، باعتبار ذلك اختياراً إلهياً
ليس للناس فيه يد ولا خيار، ولا سبيل إلى خلاص الأمة مما هي فيه إلا إذا
اجتمعت تحت راية أهل البيت، وذلك لا يتم إلا بعودة "حق الولاية" المطلق إليهم.
ويؤكد في أكثر من موضع أن الخلفاء الراشدين ومن أيدهم من الصحابة سلبوا
أهل البيت ذلك الحق، وتعاقب الخلفاء على ظلمهم وإقصائهم حتى اليوم،
مما تسبب في ضعف الأمة وهوانها وانهزامها أمام أعدائها، مؤكدا
أن خلاص الأمة وعزتها لا يمكن أن يكون إلا على يد أهل البيت.
ثم عمل على تصنيف الزيدية إلى فريقين غير جديرين بحمل المسؤولية:
أحدهما: منفتح على سائر المذاهب الإسلامية وشريك لها في
اعتماد أصول التشريع ومناهج التفكير. وهذا الفريق لا يعول عليه
في نصرة حق ولا خذلان باطل؛ لأنه تأثر بثقافات الآخرين التي
يعتبرها مصدر ضلالة وانحراف.
وفي ذلك يقول: "بصراحة أقول: إن الزيدية لا يُتوقع أن تنهض إلا
إذا ما نظرنا نظرة موضوعية لنصحح ثقافتنا، فما كان قد وصل إلينا عن
طريق السنية، وما كان في الواقع هو من تراث
السنية، أصول الفقه هو سني،
ليس صحيحاً أنه من علم أهل البيت، دخل إلى أهل البيت ودخل
إلى الزيدية وتلقفوه. علم الكلام جاء من عند المعتزلة، والمعتزلة سنية...
هذه علوم جاءتنا من عند فئة ضالة فأضلتنا فعلا، ونحن نشهد على أنفسنا بالضلال".
ونجده يتهم الزيدية بالتقصير في التمسك بما يسميه الثقلين،
ويرى أنه سبب الضعف والضلال، فيقول: "نريد أن نعرف كم نحن من
الزيدية هنا في هذا المكان مؤمنين بقضية الثقلين بوعي، إنها هي
المسألة التي لا بد منها في الاهتداء بالدين (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم
به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أليس هذا الضمان
من الضلال في كل مجالات الدين وفي سائر مجالات الحياة؟ والضلال هذا
الذي قاله الرسول لا يعني أنك تقع في معصية تدخل في باطل من هذا الباطل
المعروف، بل الضلال بكله، الضلال في العقيدة، الضلال في الفكر، الضلال في
الحياة، ما هو الضلال في الحياة؟. أليس هو التَّيْه ،الجهل ،الضَّعة، الذلة ،
افتقاد القوة، الشقاء، أليس هذا هو الضلال؟"
والفريق الآخر: يؤمن بتفرده بالحق في العقيدة والسياسة والفقه،
ولم يتأثر بثقافات المذاهب الأخرى، ولكنه في نظره ضعيف مهزوم
محارب مضطهد، يبحث لنفسه عن تبريرات ومخارج.
وعن هذا يقول: "وهذا يقرأ، يقرأ، ثم يبحث له عن مخرج من هذا الواجب،
من هذا الأمر الإلهي، ومن هذه الآية القرآنية، فضاعوا، وإذا ما ضاع أهل البيت
ضاعت الأمة، وضياع الأمة مسؤولية كبيرة على أهل البيت،
هم مسؤولون عن ضياع الأمة، وضلالها".
وبالتالي لم يبق أمام الأمة ـ في نظره ـ إلا الأخذ بالمنهج الذي ارتضاه لجماعته،
محذرا من أنه لا يمكن للناس أن يرسموا لأنفسهم منهج هداية، "
ولكن الله هو الذي يعين أعلاماً للهدى يتولونهم ويذوبون في شخصياتهم،
أما دساتير البلدان الإسلامية فإنها تكتفي في الحاكم بشروط سهلة
ليتمكن كل شخص أن يكون قائداً للأمة. وذكر أن الديمقراطية مجرد
دسيسة للقضاء على النظام الإسلامي القائم على تعيين الأشخاص
الجديرين بأن يكون أعلاما للأمة وأولياء لأمرها"
ويؤكد: "أن الله لم يترك الأمة هملاً فقد نص على علي ابن أبي
طالب علما للأمة بعد رسول الله، ومن بعده الصالح من أهل بيته
دون سواهم، ولكن الأمة غيرت وبدلت ونصبت أعلاماً آخرين
كأبي بكر وعمر فضلت وتاهت وانهزمت أمام الأعداء. لافتاً إلى
أن أي حركة أو زعيم لا يمكنه أن يحقق للأمة نصراً
مهما كان خلصاً ما لم يكن من أهل البيت".
وشيئا فشيئاً دفع الحوثي بأتباعه نحو مواجهة من يخالفهم:
بالتمرد والعصيان والقتال، فبدأت المأساة بمواجهات فكرية
حادة مع مخالفيه من الزيدية سواء من "الشباب المؤمن"
أو غيرهم من المدارس العلمية، وانتهت بحرب مع الدولة،
توسعت وتنقلت من بلد إلى بلد، وتغيرت نتائجها ومطالبها وأهدافها عاما بعد عام.
الأهداف المرحلية للحروب
في إطار الهدف الأساسي الذي سبق ذكره جاءت الحروب المتتالية
التي خاضها الحوثيون وإن كانت تحت عناوين مختلفة. الحروب الأولى،
فقد كانت تحت عنوان الدفاع عن النفس وعن حرية التعبير، مما أكسبهم
تعاطف بعض الناس وتوسعت دائرة أنصارهم، وساعدهم على ذلك ما ظهر
من استغلال خصوم المذهب الزيدي لتلك الفتنة لتصفية حسابات طائفية
من خلال مؤسسات الدولة، إلى جانب أن بعض وسائل الإعلام قدمتهم
بصورة مذهبية معينة، وأوحت بأن ذلك أحد أهم مبررات قتالهم.
أما قبل الحرب الأخيرة (السادسة)، فإن تصرفاتهم على الأرض
كانت تشير إلى أنهم دخلوا مرحلة جديدة، حيث استفادوا من
حالة السلم فأخذوا في التوسع وبسط نفوذهم على المزيد من المناطق،
وأصبحوا فيها بديلا عن الدولة، مع استمرارهم في القول بأنهم يدافعون
عن أنفسهم وأنهم يطالبون بحرية التعبير وأنه لا غرض لهم في
السعي إلى السلطة وتغيير النظام.
ومن الملاحظ أن أهدافهم السياسية غامضة، وتتغير وتتبدل
حسب المراحل والأحوال، ولكن الإطار الديني يظل واحدا
لا يتغير ويظل حاضرا بقوة في أدبياتهم التي يقاتلون بها
ومن من أجلها، وربما من هنا تأتي صعوبة التوسط بينهم وبين
الدولة، لأن تلبية المطالب التي يعلنونها لا تحقق الغرض
ولا تقطع دابر الفتنة، إذ أن المطلب الحقيقي -الذي بسببه
تكررت الحروب- غير مستقر وغير واضح في حين أن الإطار الديني
الذي يؤجج الحرب ويزكي تكرارها ليس باستطاعتهم التنازل عنه
أو عن بعض صوره الإجتهادية بحسب الظاهر حتى الآن لأنه في نظرهم حق شرعي لا يجوز التنازل عنه وإن كان بعضهم يرى أن بالإمكان تجميده أو تعليقه حتى تتشكل الظروف المواتية .